ومما يروى عنه أنه سُئل ذات يوم: من قاتل من بني معروف في الثورة يا باشا؟ فقال كل الجبل قاتل فرنسا. وسُئل من قاتل من سوريا في الثورة يا باشا فقال كل سوريا قاتلت فرنسا. وسُئل ألم يكن هناك عملاء سوريون مع فرنسا؟ قال نعم كان هناك عملاء إلا أنهم ليسوا سوريين.
قف في القريا خاشعا وجلا .. وقل السماء سحابها اشتعــلا
هول تلاطم موجه وطغــــى .. كتل الجلاميد زاحمت كتـــــلا
قالت دمشق وخطبها جلل .. والمجد يصلي خطبها الجلـلا
ان الجلاء وأهله رحلـــــــوا .. وابو الجلاء اليوم قدرحــــــلا
بداية كلنا ابتهال للعلي القدير ان يزيل غيمة الاقتتال المعتمة عن سوريا وشعبها، وان يبعث في المتصارعين العقلانية والتروي، والجلوس على طاولة الحوار، وان ينظروا بالبصر والبصيرة، وان لا يجروا سوريا الى كارثة لا تحمد عقباها، فالكل زائل ولكن الارض باقية، لتشهد على التاريخ، فكفاكم سفكا للدماء، وهتكا للحريم والاعراض، كلكم ابناء وطن واحد، وابناء جلدة واحدة، احتكموا بالعقل، وتوكلوا على الله، ولا تنجروا وراء مغرضين هم الد اعداء سوريا، ولا يريدون للشعب العيش باستقرار وسلامة، فالى السلم يا بني وطني .
كما ذكرت سابقا بان الطائفة الدرزية فقدت في شهر آذار شخصيتين عظيمتين على مستوى كبير يفوق الطائفة، قلما يجود الزمان بمثلهما، وهما المعلم الشهيد كمال جنبلاط، رجل العلم والمعرفة والفلسفة، ورجل الشهامة والمروءة والنضال، صاحب الذكرى، المغفور له سلطان باشا الاطرش، لتكن ذكراهم خالدة.
يعتبر سلطان باشا من القادة القليلة في العالم الذين استطاعوا أن يحافظوا علي نزاهة مراميهم بعد الاستقلال، كأمثال المهاتما غاندي، و نهرو في الهند، وشارل ديغول بعد الحرب العالمية الثانية وتحرير فرنسا، و تشي غيفارا في أمريكا اللاتينية الذي رفض المناصب السياسية وغادر كوبا إلي بوليفيا للكفاح ضد الطغاة، ونجد سعد زغلول في مصر، و نيلسون مانديلا في إفريقيا.فهؤلاء القلة قادوا حركات تحرر وطني ولم يلوثوا تاريخهم بمكاسب مادية أو إيديولوجية ضيقة، لان معظم القادة الثوريين، الذين حلوا مكانه بعد انتصار حركة التحرر الوطنية، أساؤوا بقصد أو بغيره لمطامحهم ونواياهم الأولي، حين خاضوا غمار معركة التحرر الوطني، وتحولت السلطة بعد انتصار الثورة إلي غنيمة بين أيدي رجال، حرّفوا حركة التحرر الوطني عن مغزاها البعيد، الذي يعانق العدالة الاجتماعية، ومنعت الوطن من الازدهار والتطورالاقتصادي.
وعندما سئل سلطان ذات يوم وقبل وفاته بسنتين عن أسباب عزوفه عن الشأن السياسي بعد الاستقلال، فصمت برهة ثم تنهد وقال أربع كلمات تترك سامعها في حيرة واحتمالات دون جواب قاطع "رحم الله زمان الثورة"، فلا أحد يعرف ماذا قصد بحديثه هذا هل كان يقصد أن التاريخ ليس للبيع أم أن ثلة السياسيين الذين جاؤوا من بعده وحلوا مكانه في ذاك الوقت ولم يكونوا بحجم المسؤولية الوطنية الملقاة عليهم كالشيشكلي عام 1954 الذي أراد تمزيق الشعب السوري الذي طالما خشي سلطان من هذا التمزيق.
ومما يروى عنه أنه سُئل ذات يوم: من قاتل من بني معروف في الثورة يا باشا؟ فقال كل الجبل قاتل فرنسا. وسُئل من قاتل من سوريا في الثورة يا باشا فقال كل سوريا قاتلت فرنسا. وسُئل ألم يكن هناك عملاء سوريون مع فرنسا؟ قال نعم كان هناك عملاء إلا أنهم ليسوا سوريين.
ان سلطان لم يقصد من نضاله سوى صيانة العرض والأرض والدين، والكرامة المقرونة بهذا الثالوث المقدس، فهو لا يريد ان يُقال عنه او يُشار اليه بالبطل او الزعيم كيف لا؟ وهو الذي رفض ان يكون رئيسا لجمهورية سوريا، بل طالب بأن تبقى سوريا موحدة وعدم تقسيمها الى دويلات، فهو لا يريد ان يكون رئيسا لدويلة في جبل العرب كما حاول الفرنسيون من خداعه بذلك بأن يمنحوا جبل الدروز حكما ذاتيا واستقلالا فرديا عن باقي المناطق السورية، فسلطان كان على علم من المؤامرات الفرنسية لإضعاف ثورته العاتية ضدهم، وعرف حق المعرفة بأن الجبل بابطاله قلعة صمود وتحد لكل من يعتدي عليهم، وباب مفتوح امام من يقصد حمايتهم وضيافتهم المعروفية،
ها قد مرّ على رحيل المغفور له سلطان باشا الأطرش 31 عاما، ما زلنا نتذكره وكأنه توفي في الأمس، فالكلمات تعجز عن مدح من كان بطلا في الواغات، من كان شجاعا لا يخاف الموت والآهات، ولا يطلب الموت إلا بكرامة، ولا يهمه كثرة الأعداء ورهبة سلاحهم، ولا تغره الزعامة والجاه والمناصب، ولا النساء وحب الدنيا وزينتها، نعم ذلك الرجل المتواضع بالرغم من الشهرة التي نالها واهتزت له السلاطين والملوك وكبار الدول المستعمرة وجنرالاتها،
ففي أول زيارة قام بها جمال عبد الناصر، زعيم الامة العربية لسلطان باشا الأطرش في بيته في القريا، فوجئ بالبساطة التي يعيشها بها هذا البطل، الذي اهتزت المعمورة بجهاده ونضاله في منزله، المبني من الحجر البازلت الاسود والصلب، والمضافة المفروشة بالسجاد اليدوي، ورائحة القهوة تمتزج برائحة الخبز العربي، والخير والحقيقة، فقال عبدالناصر بعد أن التقاه :
" إن كنتُ أنا ثائراً فأنت أبو الثوار، نستمد منك الحكمة والشجاعة، ونري فيك رمزاً نخجل من أخطائنا أمامه"،
نعم هكذا كان سلطان رجلا مهيبا وقورا في مظهره، بسيطا روحانيا متواضعا في حياته، فهو البطل الشجاع المغوار الذي يتصدى لاعدائه، يخيفهم يرعبهم وينقضّ عليهم كما الصاعقة، ومع هذا فهو الانسان المؤمن الوادع بين يدي خالقه، يفاجأ بمضافته المبنية على البساطة والتواضع كل من سمع عنه، حتى يكاد يظن انه ليس امام هذا الرجل، الذي سطر اروع ايات التضحيات والبسالة من اجل تحرير شعبه من براثن الاحتلال الغاشم المتسلط والمتعنت، الذي لا يعرف معنى الرحمة.
ان سلطان كان انسان بكل ما للكلمة من معنى، فهو يكره السياسة، ولكنه يموت من اجل وطنيته وعروبته، فهو يعشق الحرية ككل انسان مناضل ينشد الحرية لغيره كما لنفسه، فهو يعتبر من الرجال القلائل علي مستوي العالم، الذين حافظوا علي هيبتهم ونزاهتهم الثورية، بعكس ما أثير في الأيام الأخيرة من التشكيك بعروبته، بالرغم تضحياته لها، التي هي كالشمس الساطعة التي لم يسمع عنها الا من في اذنيه وقر، ولم يرها الا من في عينيه رمد، كما قالت الخنساء في رثاء اخيها صخر :
قذى بعينيك أم بالعين عوار ذرفت إذ خلت من أهلها الدار
"سلطان باشا الأطرش" القائد والثائر والإنسان الرّوحي البسيط البعيد عن حنكة السياسيين دهائهم أكاذيبهم وخداعهم، الذي خاض حروبا ضد الأتراك الطاغيين المتجبرين، الذين أعدموا والده ذوقان، فكان أول من رفع العلم العربي فوق داره معلنا بنفسه الأبية التي لا ترضخ للعتاة الكفاح والنضال، ثم أعلن الثورة عام 1925 على المستعمر الفرنسي، الذي لا يعرف عن العرض والشرف والدين سوى التعدي والهتك والسفك والاستحلاء والاستباحة، وهذا تالله تأباه كل نفس تجري بها دماء عربية معروفية أصيلة، رضعت ثدي العزة والكرامة والمروءة والشهامة، فأذاق الإفرنسيين كأس الحنظل مرّا زعاقا، حتى أتاه الجنرالات مطأطئين الرؤوس، أذلاء مقهورين، منهاري العزيمة، قد خارت قواهم أمام هذا المجاهد العملاق والعجيب الذي قل مثيله، فاحتاروا في أي مدرسة عسكرية تعلّم هذا البطل ورفاقه، كما كانت شهادة أحد هذه الجنرالات "ويغان " الى الكابيتان "بورون" :
" يمكننا القول أن الدّروز عنصر حربي لا غنى عنه لنجاح كل ثورة، فيجب إذا لإدارتهم واجتذابهم أن تنظر إليهم فرنسا بعين الحقيقة غير مغترة بالتباينات المدهشة التي تبدو في كل مكان بسوريا سواء في الطبيعة أو في الناس ... وأتعجب كجندي بشجاعتهم التي لا تقمع وبجسارتهم في المعارك ..." ،
وأيضا أدلى الكابيتان الفرنسي "بورون" بشهادته للدروز قائلا : " فحسبنا أن نجاهر بالحقيقة هي رائدنا فنقول: " إن الدرزي بشجاعته أو ببراعته في ساحة الحرب يوازي أحسن جندي أوروبي، ولسنا نعمد الى الثناء على فروسية الدروز لنبيّن فضلنا في الإنتصار عليهم، بل إننا مرغمون على إعطائهم حقهم من المدح والإطناب لنكون من المنصفين، فمعدات الدروز وهجماتهم المتتابعة واستبسالهم وثباتهم في وجه عيارات البنادق وقنابل المدافع وقذائف الطيارات تجعل منهم خصما عنيدا جبارا ومقاوما لا تلين قناته"،
وأيضا الجنرال "ديغول" الذي أصبح فيما بعد رئيسا للجمهورية الفرنسية، والذي تسنى له الحظ ان يحضر محاكمة "نواف غزالي"،قاتل الطاغية الديكتاتور "أديب الشيشكلي" الذي تسلم رئاسة سوريا عام 1945 والذي اجبره السوريون بالتنحي عن الحكم والهروب الى البرازيل اثر المجازر التي قام بها على الوطنيين وعلى رأسهم سلطان باشا، والذي لشهامته فضّل اللجوء الى الأردن لمنع حرب بين السوريين أنفسهم، وعند دخوله الأراضي الأردنية رفض أن يركب سيارة تحمل العلم البريطاني لرفضه الاستعمار،
وقد قام نواف غزالي بملاحقته طويلا حتى استطاع النيل منه بعد بعد 10 سنوات فدخل الى غرفته وطلب منه ان يلتفت اليه ليرميه بالرصاص وجها لوجه وليس بالظهر، وذلك انتقاما لشهداء الدروز الذين قتلهم الشيشكلي،
وبعد هروب الشيشكلي من سوريا الى البرازيل أعيد سلطان معززا مكرما، وقد صدف مجيء ديغول الى البرازيل من خلال زيارة كان يقوم بها الى البرازيل ساعة محاكمة نواف غزالي، فحضر المحكمة وأدلى بشهادته معبرا عن اصالة وبسالة الدروز لما شهده في حربه معهم، وكان لشهادته في الدروز الأثر الكبير في تخفيف مدة الحكم على نواف غزالة حيث قال : العشيرة المعروفية من أشرف العرب وأكرمهم... إنها تحب الحق وتموت في سبيله، لا تتعدى على أحد ، ولا تنام على ضيم... حاربناها لكنها هزمتنا، ولم يذلّ الجيش الفرنسي إلا أمام العشيرة المعروفية فقط، رغم كل الإنتصارات التي حققها في أكبر المعارك المصيرية "،
وعندما سئل ان هناك من تحدث بأن الثوار كانوا يقتلون الأسري الفرنسيين فقال ليس هناك أصدق من عفوية تلك الثورة فهم رجال يحملون في صدروهم رقة الطفل وعفويته وهناك قصة بهذا الشأن تقول : أن أحد الضباط الأسري نهض وخرج إلي العلية أمام المضافة وراح ينظر إلي الثوار بمنظار كان يحمله، وهو يعجب من قدرتهم علي تحقيق مثل هذا الانتصار، وأسر هذا العدد من الجنود، وفي هذا الوقت قدم السلطان مرحباً بأسراه الفرنسيين وحين طال مكوث الضابط في العلية وهو يتابع بمنظاره تلك التضاريس والجروف الصخرية، شعر أحد أبناء عمّ الشيخ سميع بالريبة مما يفعله الضابط الأسير، فحمل بندقيته وهزّها نحو ذاك الضابط يريد أن يفرغ رصاصها فيه، فنهض سلطان باشا والغضب يقطر من عينيه وصرخ علي ذاك الشخص وهو يصوب البندقية نحوه ويقول إن خرجت رصاصة واحدة سأجعلك أشلاءً.. فالأسير ضيف الله.
نعم كان المغفور له سلطان باشا في ساحة الحرب كالوحش الكاسر، والليث الهزبر، والأسد الضرغام، الذي لا يعرف الهزيمة والفشل، بل يعاود الكرة كرات ليوقع الهزيمة في عدوه، فلم ينحنى مرة أمام الذل والاستسلام، ولم تدمع عينه إلا مرة واحدة، ليس وجعا ولا حزنا ولا خوفا، وانما ذلك بشهادة رفيقه المجاهد "شكيب وهّاب"، كما جاء في كتاب الاديب سلام الراسي (جود من الوجود) حيث يروي: " عن لسان المجاهد شكيب وهاب، عن احد ابطال الامة العربية جمعاء، وقائد ثورة ال 25 سلطان باشا الاطرش، "كيف بكى مرة واحدة في حياته؟"، رغم كون حياته بمعظمها قتالا وأستماتة وشهادةً في سبيل الكرامة والعزة والسؤدد.
ولهذا كان تقديم شهيد تلو شهيد من رفقائه وأهله بالعشرات يوما بعد يوم. واول شهدائه كان والده المغفور له ذوقان الاطرش، الذي شنق على يد الاتراك الغاشمين، فعلم بذلك الخبر وهو مسوق الى الجندية الاجبارية في جبهة البلقان، فعاد على جناح السرعة، وعند وصوله خاطب والدته وأشقائه بعدما قابلوه بالبكاء والدموع قائلا لمذا هذا؟ "أليس قدر الاحرار الشهادة والتضحية.
اليست ضريبة الكرامة والحرية الموت، سواء كان شنقا ام اغتيالا، اليس دم الشهداء مداد الثوار حتى اكمال ثورة وتحقيق نصر؟".
ثم امتشق الحسام وحارب الاتراك وتقرب من الشريف حسين قائد الثورة العربية الكبرى وقاتل مع لوائه وكان له منهم لقب الباشا تقديرا لبسالته وشجاعته.
بعد ذلك توالت عليه المحن القاسية، فلم يكد ينتهي من محاربة الاتراك وطردهم من بلادنا، حتى قدم استعمار آخر بوجه جديد، متمثلا بوحشية الفرنسيين واستبدادهم. فخسر اولا ولده البكر طلال، ورغم ذلك كانت الدمعة عزيزة، ثم تبعه ايضا فقدان شقيقه في احدى المعارك، وبقيت الدمعة عصيّة، ثم كانت خسارته الكبرى بشهادته ذاته، اذ استشهد اقرب المقربين اليه، الشهيد حمد البربور، رفيق الدرب والمصير، ورغم كونه قد كفنه ودفنه بيديه في ارض المعركة، ومع هذا بقي على شيمته وعزته حابسا الدمعة جارح الجفنين، الى ان كان يوم سكب فيه دمعة حارة بعدما شاهد رجاله ورفاقه في المنفى يتقاسمون رغيفا واحدا، عند لجوئهم الى منطقة النبك في صحراء السعودية، حيث عاشوا في بلقع مقفر لا انيس فيه سوى صوت الوحوش ليلا، وفحيح الافاعي نهارا.
وقصة ذلك الرغيف، ان مضرب سلطان باشا كان يضم بالإضافة اليه الامير عادل ارسلان، والسيد صبري العسلي، ونزيه مؤيد العظم، وشكيب وهاب، ورهطا من المجاهدين الاشراف الاكارم. وعند الغداء طلب من مرافقه الشخصي ان يحضر الاكل، وبعد تفقد المذكور ( لجراب الخبز) لم يجد سوى رغيف واحد تم تقديمه الى الحاضرين لسد الرمق قدر المستطاع، عندها انحدرت من عين سلطان باشا تلك الدمعة العزيزة إذ حز في نفسه وكسر في خاطره قائلا لذاته ألا يكفي الرفاق والثوار تحمل القتال والتشريد والنفي ايضا عدم تامين الطعام لاقتسام هكذا رغيف من شخص الى آخر؟، معتبرا هذه التضحية المتفانية من قبل رفقائه ونكرانهم لذاتهم تضحية فريدة ربما لا يعادلها او يماثلها سواء كان ذلك في التاريخ القديم ام الحديث". حقا انه لمشهد تقشعر له الابدان ويخشع القلب ويضطرب اضطراب الشفقة والحنان وقلة الحيلة .
وفي هذه القصة قال امير السيف والقلم الامير عادل ارسلان في قصيدة عصماء نقتطع منها هذه الابيات المعبرة.
يا ساهرا في النبك أين الأولى*****أنت من الشوف إليهم قريــح
في بـلقــع قفرٍ كان الســـمــاء*****لم تروه بالقطر من عهد نوح
إنــســـــانـــة ضبٌّ وأشجـراه*****شيحٌ وأصوات التغني فـحيـح
وعـصبةٌ عـرباء فـوق الثـرى*****لكنها من مجدها في صروح
أخرســـها الصبـر من حـقهــا*****من طولِ ما عذبها أن تصيح
كل رغيفٍ اهله تســـــعة(1) *****كانما صلى عليه المسـيح(2)
(1) عدد الثوار الذين تقاسموا الرغيف.
(2) تيمنا بالعشاء السرّي الذي باركه السيد المسيح في عرس قانا الجليل.
ثم نعود الى قصة أدهم خنجر الصعبي، اسمه أدهم بك خنجر وهو علوي المذهب، وتربطه علاقة قربى وثيقة بحسن بك الدرويش، أحد كبار مقاومي الجنوب اللبناني، ورجالات النضال ضد الاستعمار الفرنسي، وهو مقاوم وثائر لبناني من جنوب لبنان، قاد حركة المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي لبلاد الشام تكبد خلالها الفرنسيون خسائر جسيمة، وذلك بالتنسيق مع الثائر العاملي الآخر صادق حمزة الفاعور، ولد أدهم خنجر ونشأ في بلدة المروانية قضاء صيدا منطقة الزهراني، والذي كان القادح الذي إنطلقت منه شرارة الإنتفاضة ضد المستعمر، الذي طفح ظلمه وزاد عتوه على من أبت نفوسهم الظلم والضيم، وذلك بوجود بعض المتعاونين العملاء الذين غرّهم زغل دراهم وجاه المحتل، فكانت أشبه بمقتل ولي عهد النمسا عام 1914 السبب المباشر لنشوب الحرب العالمية الاولى بعد أسباب كثيرة، وكما يقال : كانت كالقشة التي زادت على كومة القش التي يحملها الجمل حتى كسرت ظهره"،
فعندما قصد أدهم خنجر في 27 /7/1922 بيت سلطان في القرية، طالبا الحماية منه من وجه الفرنسيين، الذين لاحقوه ليحكموا عليه بالإعدام، لاطلاقه النار على الجنرال غورو، وهو في طريقه الى الجولان، لزيارة محمود الفاعور أمير عشيرة الفضل، فلم يجد سلطان حينها في البيت مما سهّل للفرنسيين القبض عليه، ولكن عندما عاد سلطان للبيت استقبلته أمه بالدمع قائلة : " يا ميمتي ، يا سلطان، عشرات ألوف الذبائح التي نحرتها، ونحرها أبوك وجدك من قبل، لإكرام ضيوفنا، وقد جبلت التربة حول البيت بدمائها حتى صارت حمراء، ذهبت هدرا... وانكسر خاطرنا في آخرتي!
فلما علم الخبر مشى خطوات ورجع ثم تلفت يمينا ويسارا فرأى المضافة مظلمة، ثم رأى نفسه في حوض أسود، وصار يسمع أصواتا بعيدة تطن في أذنيه، سمعها تخرج من القبور، سمع صوت والده ذوقان الذي قتله الاتراك لدفاعه عن الكرامة المعروفية، ثم سمع أصوات أعمامه وأجداده، ثم بدأ يسمع صوت العشيرة يزأر، فشعر بالدنيا تدور به لتنقض عليه، فخارت قواه وضاقت سبله، ولكن ما لبث حتى وصلت سلطان رسالة من أدهم خنجر من سجنه في قلعة السويداء، يذكره بشهامة بني معروف وال الاطرش، وكيف أنه دخل بيته طالبا الحماية لإيمانه العميق بالطرشان، ويخبره أن حياته أصبحت في قبضة الفرنسيين، وأن فهمه كفاية...،
فازداد قلق سلطان واشتد اضطرابه، ولم يشعر بألم بمثل هذا الألم الذي فجره كلام ضيفه، فقرر أن يرسل الى الجنرال "غورو" رسالة قال له فيها : " الإتفاق بين فرنسا ودروز الجبل أنكم تحترمون عاداتنا وتقاليدنا، وأدهم خنجر قصدني، والضيف نحميه بدمنا، فلا تسمحوا بجعلي مضغة في أفواه العرب، إذ ليس في البلاد رجل أهين مثل هذه الإهانة...تكرموا علي بإرجاع ضيفي وقيّدوا عنقي بالجميل طول حياتي، وإذا كان العكس لا سمح الله فإني أقول بكل صراحة: إني أنظر الى موتي وإهانة ضيفي كأنهما أمر واحد والعاقبة غير محمودة ... " ،
ولكن هذه الرسالة لم تُترجَم ترجمة كافية للجنرال "غورو"، وأظهروا له عداء سلطان للفرنسيين، مما دفعه لإرسال طائرة من دمشق الى السويداء مكان اعتقال أدهم خنجر، لنقله الى بيروت، ثم قتله، فلما علم سلطان بالخبر نادى بالزحف على قلعة السويداء، ولكن الكابتين "ترانغا" أرسل ثلاث دبابات تسد الطريق أمام سلطان وقتله إذا لم يمتنع، فلما رأى سلطان تلك الدبابات انقض عليها فأطلق أحد سائقيها الرصاص عليه فأصابه في جبهته، فاستل سلطان سيفه ووثب عن حصانه على الدبابة والتي كان غطاؤها مفتوحا لشدة الحر، فقتل قائدها ومعاونيه، وعمل رفقاؤه عمله في الدبابتين الاخريين، ومما رواه أحد المرافقين لسلطان إثناء هجومه على الدبابة، أن أحد جنودها استطاع أن يمسك بعنق سلطان، ولكن سلطان انقض على الجندي يعضه بأسنانه في وجهه حتى شرم أنفه وأذنه وخده فتلاشى ووقع صريعا فوق زميليه،
وبذلك في ليلة وضحاها صار سلطان حديث العالم، يقصون رواية بطولته هذه، وصار قومه في الجبل يلقبونه بـ"عنتر بو سنان"، هذا العمل البطولي دب الذعر في قلوب الغزاة ولإعادة الأمن اليهم أرسل الجنرال "غورو" طائراته لتقصف بلدة سلطان والقرى المجاورة، مما دفع بسلطان الرحيل الى الأزرق شرقي الأردن لينظم عصاباته ويبدأ صراعه مع الفرنسيين الذي انتهى بانتصاره الساحق على الجيش الفرنسي، والذي وصفه لويد جورج رئيس الوزارة البريطانية بأنه " الجيش الأعظم في العالم "، مما أجبره على الجلاء عن الأراضي السورية والإعلان عن استقلالها،
"وأخيرا ومن وصيته انه قال : " اعلموا أن ما أخذ بالسيف فبالسيف يؤخذ، وأن الإيمان أقوي من كل سلاح والإيمان يشحذ بالصبر ويحفظ بالعدل ويعزز باليقين ويقوي بالجهاد.. وهو أقوي من كل سلاح وأن كأس الحنظل بالعزّ أشهي من ماء الحياة مع الذلّ، اطلبوا الموت تمنح لكم الحياة،عودوا إلي تاريخكم الحافل بالبطولات الزاخر بالأمجاد.. إني لم أرَ أقوي تأثيراً في النفوس من قراءة التاريخ لتنبيه الشعور وإيقاظ الهمم لاستنهاض الشعوب لتظفر بحريتها وتحقق وحدتها وعزتها وكرامتها وترفع أعلام النصر".
هكذا عاش وهكذا فارق الدنيا مكللا بالكرامة وعلى فراشه في بيته حتى ان الد اعدائه زمن الثورة الجنرال ديغول والذي اصبح رئيسا لفرنسا بعث لجثمانه الطاهر تابوتا زجاجيا تقديرا له على بطولاته وشجاعته ووفائه لشعبه ووطنه وعدم تمكّن أحد من ارشائه او ثنيه عن مواقفه الوطنية الشريفة بأي طريقة كانت والتي ناظل من أجلها ليس لأجله بل لأجل الأمه كلها دون استثناء رافعا بذلك أسمى أيات البطولة والايمان والصمود والتحدي في زمن خارت فيها قوى الزعامات العربية امام المستعمرين لضعفهم .
رحم الله سلطان والشهداء الابرار.فسلطان سيبقى مغروزا في فكر كل واحد منا مهما طال الزمان، رحمك الله والى جنات الخلد يا أبا طلال ولتكن ذكراك خالدة كما أبا الهول .
هذا من اجمل ما قيل شعرا في رثاء البطل الكبير و شيخ المجاهدين
و قدوتنا و قائدنا عطوفة سلطان باشا الاطرش .
وهذه قصيدة قالها الشاعر فيصل بليبل
في رثاء المغفور سلطان باشا الأطرش
قف في القريا خاشعا وجلا .. وقل السماء سحابها اشتعــلا
هول تلاطم موجه وطغــــى .. كتل الجلاميد زاحمت كتـــــلا
قالت دمشق وخطبها جلل .. والمجد يصلي خطبها الجلـلا
ان الجلاء وأهله رحلـــــــوا .. وابو الجلاء اليوم قدرحــــــلا
من قاسيون أطل يا وطنــي .. فأرى الدروز وأبصر الجبـــــلا
وارى عمائمهم وعزتــــهم .. شعت فخارا يبــــــــهر الازلا
حمل الأباة الصيد قائدهـم .. وعيا لهم لا يسلموه الــــــى
لا تحمليه يامدافعـــــــــنا .. ودعي البطولة تحمل البطـــلا
ودعي بنادقه تؤبنـــــــــــه .. ولتطرقي من خلفها خجــــــلا
عشرون سلطانا لامتنــــــا .. سفوا وسلطان الدروز عــــــلا
.
فيما المقام أبا طلال أمـــــا .. أبصرت صرحك قد غدا طلـــلا
اذهب فانا ذاهبون معـــــــا .. لاحول يا سم الحشيش ولا
كالطير مذبوحا وقد رقصت .. قتلى .. فيا ويل الذي قتــــلا
تغد ونمسي راقصين بــــلا .. خجل وكنا نعرف الخـــــــجلا
عاد الحثيث بنا الى هبل .. قم يا محمد كي ترى هـــبلا
قالوا رثيت وما وفيت فلـــم .. تذكر له جل ولا جــــــــــللا
من اين اتي بالكلام وهــــم .. قم أمموا الكلمات والجمــلا
أعطيت حبرا ..قد كتبت بــه .. عشرين بيتا والسلام عــلى
سلطان مات وتلك مرثيتــي .. سلطان فرقدنا الذي أفـــــلا
الشعر لمح فاسمعوه وعوا .. كم نبه الشعراء من غفـــلا
سلطان ترثيك الرعود غـــدا .. اني رأيت الشعر قد فشـلا
سباع السويدا زمجرت يا ابن ذوقان - بني معروف – السويداء فيديو
https://www.youtube.com/watch?v=D9xj0INgUog