سويةً من أجل مستوى تعليمي أعلى
أمير خنيفس-جامعة لندن
ليس بسرٍّ بأن المستوى التعليمي في جزء من قرانا يعاني من نواقص كثيرة، الأمر الذي ينعكس في كثير من الاحيان على مستوى الانجازات العلمية لأولادنا. فحسب احصائيات من عام 2009 ، شكلت الطائفه الدرزيه نسبه 1.4 % من مجموع سكان الدوله في حين اقتصر تمثيلها في المعاهد الاكاديميه على نسبه 0.4 % وبناء على احصائيات وزاره المعارف لنفس العام فان نسبه الحاصلين على شهادة بغروت كامله في معظم مدارسنا لا تزيد على نسبة 30%.
هذة الاحصائيات بالطبع مفتوحة للنقاش ولربما تعاني من إشكاليات جذريه خاصة وأن نسبه عاليه من الشباب الدروز يلتحقون بدراستهم الأكاديمه بعد الخدمة العسكرية، أضف الى ذالك حقيقة صعوبه تحديد العلاقة الحتميه بين التحصيل الثانوي والتعليم الأكاديمي، ومع هذا فلا يمكنانا أن نتجاهل هذه المعطيات خاصةً إذا قارناها بالانجازات التعليمية بقرى يهوديه وعربيه مجاورة.
بالرغم من ذالك فاني اشكك في نجاح جزء من الحلول المطروحه على يد مجموعة من الاهالي، وخاصة فكره الالتحاق بمدارس إعدادية وثانوية خارج قرانا، وذلك لما تحمله هذه الحلول من أبعاد سلبيه على الطلاب والطالبات في هذه المرحله الحساسه من حياتهم وعلى العوائق امام تطور جماعي ناجح كمجموعة ليس فقط دينية وانما ايضا ثقافية.
فمثل هذه الحلول تتجاهل الأبعاد السيكولوجية المركبة التي يمر بها الطالب أو الطالبة خلال فترة المراهقه والمشاعر العاطفيه التي يتبادلها مع من حولة من طلاب وزملاء خلال فتره الدراسه وفي أول مرحلة لة خارج الحلقة العائلية.
هذة الحلول تتجاهل التناقضات الثقافييه التي يعيشها الطالب/ة خلال فترة دراسته والتي إن وجدت تتطلب منه بجيل مبكر بأن يتأقلم مع ثقافات مختلفة، في حين قد يكون من المناسب اكثر اعطائة المجال للتعايش مع ثقافة واحدة والتركيز في دراسته. ناهيك عن الحقيقة بأنَّ الطالب او الطالبة يدخل عالم من البلبة حتى يكاد لا يعرف ثقافة الأم من الثقافة الثانوية فيعيش حاله من التوتر في كل منهما.
ويزداد الأمر تعقيداً مع الطلاب أو الطالبات الذين التحقوا بالمدارس العبرية. فبالإضافة للبعد الثقافي، يتجاهل أصحاب القرار البعد اللغوي للموضوع وللحقيقة بان اللغة هي ليست مجرد وسيلة اتصال وتواصل فحسب وانما هي منظومة من الاشارات والدلالات ايضاً، وتعد من اهم مكونات الهوية الفردية والجماعية، وعامل اساسي في رسم الحدود الذهنية والثقافية والقومية بن الناطقين بها كلغه أم وبين "الاخر".
وكما لاحظ خبيراللسانيات البروفيسور محمد امارة ، فان اللغة مرأة عاكسة لنا ولما يدور من حولنا، وترجمة لما يدور في الذهن من افكارحيث تخدمنا في التعبير عن مشاعرنا واتجاهتنا وقول الاكاذيب والمراغات وللشتم والاهانة، للمديح والتوبيخ لتسبب ردود فعل منها ايجابية ومنها السلبية. وبهذا فانها تلعب دوراً اساسياً في نمو المجتمع وحراكة خاصةً وانها تساعدنا على تحويل واخراج الافكار الى حيز الوجود والتداول مع الاخرين بشكل طبيعي. فهي ليست منسلخة عن الواقع، بل تتفاعل معة وتساعد على تشكيلة لتخدم عاداتة وتقاليدة، والمعتقدات والقيم الاجتماعية والثقافة الدينية والسياسية المبني عليها.
أما على مستوى المجموعة، فمثل هذه الحلول تنمي فينا الهروب والبحث عن حلول خارج نطاق المجموعة وذلك بدلأ من أن نواجه قضايانا الملحة بشجاعة وبشكل صحيح من خلال التعاون المشترك وعدم التنازل عن التقدم والحصول على كل ما نستحقق من ميزانيات وخدمات وإدارة مهنيه ناجحة ليس فقط على مستوى التعليم في المدارس وإنما أيضا في مجالات أخرى. ومن هنا فان رفع المستوى التعليمي في قرانا في الكرمل والجليل سيتم اذا تعاونا جميعاً، من أهل وادارة مدارس واقسام معارف لا من خلال الهروب الى مدارس أخرى لنثبت لنفسنا قبل كل شيء بأننا قادرون.
اضف الى ذلك الحقيقه، بان مثل هذه الحلول تؤدي الى تكديس فشلنا وعدم التقدم خاصة اذا بقيت مدارسنا المحلية فارغة من التنافس الراقي السليم.
هذا الادعاء لا يعني عدم الالتحاق بمعاهد أكاديمية في الفترة ما بعد الثانوية وانما العكس تماماً. بل ما أعنيه بان مثل هذة التجربة يجب ان تكون في مرحلة متقدمة وبعد ان عبر الشاب أو الشابه مرحله المراهقه المتقلبه في اجواء مريحة وبلور شخصيتة الفردية بعد ان شارك من حولة من ثقافة ا ˈالامˈ أحلامهم ، طموحاتهم ،أحزانهم ،مشاكلهم...
كل الاحترام والتقدير للعاملين على مشروع تأسيس ونجاح المدرسة الثانوية الدرزية للعلوم والقيادة والتي استطاعت من خلال سنوات قليلة تخريج أفواج ناجحة من الطلاب مع نسبة نجاح في البغروت تعدت ال 90 % في حين التحق نسبه عالية من خرجيها تتعدى ال 50% الاقسام الاجتماعية والعلمية في ارقى المؤساسات الأكديمية.
يؤمن العاملون على هذا المشروع، كالكثيرين من بيننا بأن الحل الصحيح للتقدم العلمي في وسطنا يجب أن يبدأ كما ادعى الفيلسوف سانمور من البيت وكيف أنة لا ينسى صوت والدتة تقول : " سانمور، ادخل الى البيت واقراء كتاب"، وانة فقط من خلال التعاون والاجتهادالمشترك يمكننا التقدم أكاديمياً دون المس بالروابط الثقافية التي تجمعنا، بل على العكس بان نعمل على تقويتها.
هذه الانجازات جعلت كلِّ فردٍ منا يشعر بسفير وممثل للمدرسة حتى عندما لا يعرف بمكانها على أرض الواقع، ليكون ذلك المشروع الأول الذي طرحته مع زميل أمريكي يعمل لشركه ميكروسوفت خلال لقائي به مؤخراً في مؤتمر في باريس وبعد أن علمتُ بأنه مهتم في تقديم الدعم التكنوليجي ونشرة بين أقليات ثقافية في منطقتنا.
المقالة مهداة الى طاقم التدريس وللادارة المهنية في المدرسة الثانوية الدرزية للعلوم والقيادة والى الصديق الذي اراد أن يكسب ابنة اللغة العبرية على اصولها في جيل مبكر، فكسب الاخير اللغة وخسر الاول أبنة.