إبداع الشاعر الأمير خالد الفيصل

بقلم : الناقد نور عامر ,
تاريخ النشر 08/04/2013 - 05:03:37 pm

خلال ممارستي كتابة النقد الأدبي منذ عشرين عاما الى اليوم ، لم احظ باشعار عامية شعبية فتحت شهيتي ، كما حظيت بأشعار الأمير خالد الفيصل ، ديوانه الأعمال الشعرية الكاملة ، الصادر عن مكتبة العبيكان – الرياض سنة 1422 ه 2001 م ، أربعمائة واربعة و سبعون صفحة حجم كبير .
أتيتُ على جميع صفحاته وانا مندهش من هذا القلم المبدع الخلاق . وكنت كلما هممت بالكتابة عنه كمادة مغرية للنقد ، تعترض طريقي مشكلة معيشية من مشاكلي المزمنة ، فأهرع الى ايجاد مخرج لها  . حتى كان الفاتح من يناير 2013 اي بعد سنة من حصولي على الديوان ، وجدت فرصة هذا الذي يسمى متعة الاكتشاف في العملية النقدية ، مادته الكلمات مفردة ومركبة اللفظ والمعنى واللحن ، تؤكد اننا ازاء شاعر كبير ، شاعر يمتلك مزايا جوهرية ولازمة في الشعر ، واولها انه مرهف الحس رقيق المشاعر .
يقول قدامة بن جعفر في تعريفه للشعر والشاعر : " وانما سمي الشاعر شاعرا لأنه يشعر بما لا يشعر به غيره "
وهذا التعريف هو احد المقاييس التي نستخدمها في  قياس الشعر . أطمعُ ان اضيف الى قول جعفر ، ان المشاعر في اية شاعرية تصبح اكثر قيمة حين يتوافر فيها العنصر الجمالي ، كما في الابيات التالية من قصيدة " يا قديم الغوص " لشاعرنا الفيصل ، يفصح فيها عن رأيه ومشاعره تجاه الحب والهوى ، يوصفه وصفا شائقا ، وعبر تجربة لا نشك بانها صادقة ، الامر المحفز على الاصغاء :
" يا قديم الغوص في بحر الهوَى / وش لقيت بغبّة البحر الغزير / علّم الّلي جسّ شطّه واهتوَى / ما بعد جرّب طويله والقصير / قالوا إنّه مَن جميع أمرٍ حوَى / فيه سر وفيه شر وفيه خير / واسمع إنّه مَنْ ركب موجه دوَى / من فِعل موجه غريقه يستجير / واسمع إنّه مَن لمس شطّه غوَى / ما يفرّق بين بحره والغدير / واسمع إنّه مَن علَى تركه نوَى / يجذبه سحره ويرجع له كسير " .
ان الجانب الجمالي في هذه المقطوعة لا يدرك بالنظر او الحكم المجرد ، إنما نستشعره من خلال ذائقتنا او حاستنا الفنية . وعلى سيرة الجمالية في الشعر يحضرني الفيلسوف جورج سانتيانا ، يفيد " ان الإحساس بالجمال يحرر صاحبه من قيود الجسد " .
ربما أن الشاعر كان بحاجة الى هذه الجمالية .. لكن ما يهمنا انه حققها بامتياز ، وهي  تترغل في معظم قصائده ، تارة ينسجها  بالفطرة ، وطورا بما يسمّى " الإدراك الجمالي " والذي يصل في بعض الاحايين حد النشوة ، كما في هذه الأبيات من قصيدة اذكريني :
"كل ما عانق نظر عينِك قمر / أو لثم خدّك شعاعٍ من غروب / أو نسيمٍ هفهف بْشَعرِك سحرَ / أو تغنّى بالهوى صوتٍ طروب / أو تَبلّل كفّك بْقطر المطر / أو تبسّم بالسما نجمٍ جنوب / أو ضحك وردٍ على عودٍ خضَر / أو نقل لك نفحة خزامَى هبوب " .
من أجمل ما قرأتُ في شعر الغزل ، سلس رقيق ومثير .  واللافت في اشعاره التي تتعلق بالمرأة ، صدق العاطفة والنقاء ، ثم نظرته اليها ككيان أولا ، قبل ان تكون بهجة في الدنيا . وفي هذا المسار يخص زوجته الفاضلة بالإهداء في فاتحة الديوان : " الى قصيدة العمر أم بندر " . 
بيتان يختزلان غبطته بحضورها ، ثم حبه وتقديره لها :
" لك يا عنود الصّيد حرفي ومعناي / عمري قصيدة حب قدّمتها لك / معك أشرقتْ شمس المحبّة بدنياي / صورة قصيدي لمحةٍ من خيالك " . 
لقد أعرب أفلاطون في كتابه الجمهورية ما معناه : ضرورة الأخلاق والفضائل في الشعر . كذلك يحدثنا أبو هلال العسكري عن اهمية هذا الجانب . ونظرة الى قصائد شاعرنا الفيصل نجد أن الأخلاق والقيم هي إحدى الخطوط البارزة في شعره ، ومنها فضيلة التسامح في قصيدته " من بلاه الله " فيها من الحكمة ما يدعو الى الإعجاب :
" من بلاه الله تصبّر واحتسب / عادة المسلم علَى الشّدّة صبور / آتلمّس للخوي عذر وْسبب / لَى لحقني من بعض ربعي قصور / واتحمّل زلّة كحيل العرب / واتحاشَى عضّة الكلب العقور / أعشق الغالي ولاهوب الذهب / وانزل العالي ولاهيب القصور " .
ولا يخفى أن شاعرنا يحمل نزعة انسانية خاصة تتجلى في الكثير من مواقفه الاجتماعية والسياسية ، كقصيدته المؤثرة " يا غرب وين الصوت " .  تدور حول أحداث البوسنة وما جرى للمسلمين هناك من الإضطهاد والإبادة ! يلقي اللوم على الغرب ويحثهم على التدخل لوقف هذه الحرب المدمرة :
" يا غرب وين الصّوت لحقوق الانسان ؟ / وراك في البوسنة تغاضيت عنْها ؟ / لوْ هو يهودي صحت في كل ميدان / واشعلت حرب اسرارها معْ علنْها / لكن علَى المسْلم ولو كان ما كان / تسكت ولو ذاب الصّخَر من حزنْها " .
وفي أبيات اخرى من القصيدة يصف ما آلت اليه أحوال الناس في تلك البلاد ، مما يثير في النفس أشد الألم :
" ما شفت هتك العرض ودموع نسوان / ولا سمعت صيْاح جايع لبنْها / وين انت عن تعذيب شيبٍ وشبّان ؟ / وين انت عن تشويه طاهر بدنْها ؟ " .
ثم ينتقل الى مجلس الأمن معربا عن قلة ثقته بموقفه وقراراته ، وفي الوقت نفسه يوبخ الغرب على تقلبه وتلوّنه في الكلام والأفعال ، كذلك يصل الى قناعة أن الإعتماد على الغير لا ينفع . يصوغ كل هذا بكلمات قليلة مكثفة :
" لوْ كان يردع مجلس الأمن عدوان / ما كان جيش الصّرب يامر وينْهَى / ما تستحي يا غرب تلوي بها لسان / وان جت علَى المسلم تغيّر لحنْها / ما ينفع المسلم من المجلس اعلان / وحقوقنا ما غيرنا احْدٍ ضمنْها " .
وفي باب المديح ،  والقصد مدح الرجال ، لشاعرنا اوراق تدل على سعة معرفته بأصول وقواعد المديح ، بتناول الفضائل الأخلاقية ، ويعمل على موافقة الكلام لمقتضى الحال . وقصيدته الموسومة " يا خادم البيتين " تعبر افضل تعبير عن براعته في هذا اللون من الشعر . وهذه مقطوعة من القصيدة :
" يهناك نصر الله علَى كل خوّان / يا خادم البيتين سيّد وطنها / يا من وفا للجار يوم الرّدي خان / ويامن مروّات العروبه حضنها / ويا صاحب الراي المظفّر والاحسان / أحسنت للجيره وغيرك طعنها "  .
وفي سياق المديح أيضا ، ينظر الى النقد نظرة تقدير واحترام ، ويؤكد بشكل لا مباشر أهمية مواكبة النقد للحركة الأدبية : " ناقد الأشعار لك منّي سلام / والتحيّه للفكر والإحترام / فرحتي لَى شفت لك رايٍ جديد / أو نظرت لبعض شعري باهتمام / يا رفيق الحرف في دنيا القصيد / عشقتي ويّاك في عذب الكلام / أنظم النّظرة بخفقات القلوب / وانت تنثرها دموعٍ وابتسام " .
وثمة صفة نبيلة في الشاعر ، وهي أنه مخلص ووفي لوطنه الى ابعد الحدود ، لا سيما حين يتعرض هذا الوطن للخطر . يمتشق شاعرنا قلمه ويبدع قصيدة حماسية ملتهبة ، وهي من أفضل ما قيل عربيا في المواقف التي تستدعي التأهب والذود عن الحق والأرض . قصيدة " هل التوحيد " . واظنه كتبها ايام غزو العراق للكويت ، أو قُبيل الغزو :
" ياهل التوحيد هبّوا للجهاد / مرخصين الروح والجنّه وعدْ / ما يدوس الباغي حدود البلاد / والنشامَى باقيٍ منهم ولدْ / دارنا من دونها خرط القتاد / دونها الموت الحَمَرْ قام وْقعدْ / ما تروّعنا جموعك والعتاد / الوعَدْ لَى جاك زلزال وْرعدْ "
بهذا الإستهلال الجيد للقصيدة يظهر بوضوح ائتلاف اللفظ والمعنى  . أمّا القافية التي هي ظاهرة إيقاعية ، نجد أنها قوية وحاسمة ، ويجب أن تكون كذلك لأنها كما قال حازم القرطاجني : تقع في السياق التناغمي موقعا أساسيا .
وإذا كان الإندماج في الطبيعة من مظاهر المذهب الرومانتيكي أو الرومانسي ، فالشاعر يندمج مع طبيعة بلاده بما أودعها الله من سحر وجمال ، يتماهى معها حسا روحا وفكرا ، تصبح ملهمة له بأجوائها الخلابة كألطف ما يكون الشعر . ولا غرابة أن ارتياحه للطبيعة وحبه لها يعكس أثر أو تاثير البيئة ، ومنها الحنين الى بيت الشَعِر والحياة غير المقيدة .. وهذا الحنين قد أفضى به الى انعطاف الذات وميل وجداني الى عشق الحرية في الهواء الطلق ، يجسد ذلك بقصيدة ذات إشراقه بهية :
" لا تسألوني ليه أنا / عاشق خزامَى مستهام / إذا عرفتوني أنا / تدرون وش سر الغرام / أصلي أنا بيتي شعر / والبر هو ديرة هلي / فرشي ثرَى وسقفي سما / وترابها غالي عليْ " .
الى أن يقول :
" أحب مشيٍ بالخلا / حُرًّ من الديره طليق / شوفي يروح بلا حدود / ولا يقيّدني طريق / إن جا هوانا من شمال / أو هبّت النسمه جنوب / ألاعب أنسام الهوا / واهب إذا هبّ الهبوب / الله علَى شمس المغيب / والليل إذا نسنس هواه / الضّو تقدح بالجمر  / والنّجم يقدح في سماه " .
وبعد ، أعرف بأنني في هذا المقال ، هذه السطور المتواضعة العابرة ، لن أوفيّ هذا الإنجاز الفخم سوى القليل القليل من حقه في التقييم . لذلك طرأتْ لي فكرة تتلخص بأن أقوم بمشروع دراسة مطوّلة بين دفتيّ كتاب يتناول هذه الرائعة بما يتيسر لي من معرفة واجتهاد . لكن تحقيق هذا الهدف منوط أولا وقبل كل شيئ بضروفي ... فإن استطعت إلى ذلك سبيلا فهذا من دواعي فخري ، وإلا سيظل هذا الكتاب لسمو الأمير خالد الفيصل ، سيظل في مكتبتي أعتز به كرمز للشعر الراقي والأصيل .                                    
                           
[email protected]

تعليقك على الموضوع
هام جدا ادارة موقع سبيل تحتفظ لنفسها الحق لالغاء التعليق او حذف بعض الكلمات منه في حال كانت المشاركة غير اخلاقية ولا تتماشى مع شروط الاستعمال. نرجو منكم الحفاظ على مستوى مشاركة رفيع.
1.شاعرنور عامر يبيع قلمه بالريال !! منذ فترة قرأنا هذا المقال في موقع " برق " السعودية . نعرف كم حصلت _ عن طريق الأردن _ مقابل مقالك رفعت فيه الفيصل شعرا الى مصاف العظماء. ترى كم ستقبض عندما تنجز الدراسة ( كتاب ) عن اعمال الفيصل , كما أشرت في نهاية مقالك ! أين النزاهة والموضوعية التي تدعيها في نقدك ؟ ! أم ان للنقود رائحة لا تُقاوَم !!09/04/2013 - 12:11:20 pm
2.الناقد : نور عامرالى الشاعر المحترم من المثلث . لن أدافع عن نفسي باعتبار أنني على يقين بأنني لست في موضع اتهام . وبافتراض ان كلامك صحيح حول النقود والريال ، فقد اوقعت نفسك في مطب التجسس على الناس ! وهذا تصرف رديئ ومرفوض أدبيا وأخلاقيا !!09/04/2013 - 07:54:54 pm
3.كاتبةاولا أشكر الشاعر كمال ابراهيم إذ يفتح في موقعه بابا للحوار . أنا لم اقرأ ديوان الشاعر خالد الفيصل ، لذلك لا أعرف إن كان نور عامر قد كتب نقدا موضوعيا عن الفيصل ، أو تملق ، ساير ، نافق ، وهذا جائز ! . وبالنسبة لموضوع ( الريال ) كما قال الشاعر من المثلث ، فإن كان عامر قد حصل فعلا على نقود مقابل مقاله ، فلا أرى جريمة في ذلك ! هل نحن زمرة الأدباء قدرنا أن نظل نكتب طوال العمر دون مقابل ؟ ! ولماذا لا ننظر الى الأزمان الماضية حين كانت قصائد الشعراء مصدر أرزاقهم ، هل عابهم أحد في ذلك ؟ !12/04/2013 - 09:48:26 pm

استفتاء سبيل

ماهو رأيك في تصميم موقع سبيل ألجديد؟
  • ممتاز
  • جيد
  • لا بأس به
  • متوسط
مجموع المصوتين : 2440
//echo 111; ?>