يروِّج البعض بأني غريب عن هذه البلدة ولا يحق لي أن أرشحَ نفسي لخدمتها . يقولون هذا لأني قصدتُ العلمَ والمعرفة . يدَّعونَ هذا لأني اخترتُ طريقَ التعلُّمِ لتطويرِ ولصقلِ شخصيَّتي ..
يهاجمونني لاختياري طريقًا طويلة وشاقة ، طريق المعاناة والحرمان ..
يا للغرابة ! ! إن السعي وراء الشهادة لاكتساب القدرات والكفاءات أصبح ذنبًا يُدفعُ ثمنه ... فأمامك خياران إما أن تذهَبَ للتعلُّمِ وتتطوَّر وتدفع الثمن ، وإما أن تبقى بدون علم .
أهذه هي رسالتكم للذي يرسم العلمَ والمعرفة طريقًا له ؟ !
أهذا ما تقولونه لمئات الشباب والشابات الذين اختاروا طريق العلم وسافروا بعيدًا لتحقيقه ؟!
أهذا ما تلمِّحونَ به لمئات الطلاب والطالبات الذين يفكرون ويخططون للتعليم الأكاديمي؟!
أتسمُّونهم غرباء ؟!
لو كنتم يا سادة تعرفون ما يمر به هذا الشاب أو الشابة الذين قصدوا العلم والمعرفة ، لو كنتم تعرفون مشاق طريق العلم ومدى تضحية هؤلاء الشباب والشابات وأهلهم لما تفوَّهتم ببنت شفة ...
لو كنتم تعرفون حياة الحرمان التي يعيشها طالبو العلم وأهلُهم لوقفتم إجلالًا لهم .
لو كنتم تقدرون الشهادات والكفاءات الحقيقية التي يحصل عليها هؤلاء البنات والأبناء لفرشتم لهم البساط الأحمدي على الطريق الى المناصب الهامة في البلدة ...
وبدلًا من هذا ، ماذا تقولون لهم ؟ إنكم تقولون إن المناصب كلها مشغولة .. لقد أحضرنا أناسًا من خارج البلدة ، ووظفنا آخرين بدون شهادات ...أمَّا أنتم حاملو الشهادات فقد تأخرتم ، قضيتم الكثير من الوقت خارج القرية . " اللي سبق شم الحبق " .
الويل لأمة لا تقدس بناتها وأبناءَها المتعلمين ...
الويل ثم الويل لأمة لا تحضُنُ بناتها وأبناءَها العائدين مدججين بالعلم والشهادات ..
واحسرتاه على أمة صار فيها المتعلم غريب الأطوار ! عليه الاعتذار لأنه تعلم .. هل أصبحنا مثل الجيش الأحمر في كمبوديا ( الخمير الحمر ) نُبعِدُ عنا المتعلمين والمثقفين !!...
أليسَ أسيادنا هم من قالوا : " أطلبوا العلم ولو في الصين " ! وهم من قالوا أيضا " إن طلب العلم لفريضة على كل إنسان ! أليس أسيادنا هم من قالوا : " إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاءً بما يصنع ! " وأليس رسول الله من قال : "لا ينبغي للجاهل أن يسكت على جهله ولا للعالم أن يسكت على علمه " !
كيف لي يا سادة أن أتجَرَّأ وأتقدَّمَ لمنصب رئيس السلطة المحلية دون أن تكون عندي الكفاءات والشهادات لأستطيع مواجهة التحديات الكثيرة التي يعيشها المجتمع في هذه القرية ؟!
ألا تدرون أن ظهور كل حركة إصلاح يتطلب ثورة علمية !؟
أتعلمون أنه في عهد الأسرة الحاكمة الأولى ، المؤسِّسة للإمبراطورية الصينية ، كان الطالب يدرس ويتعلم ثلاثين عامًا حتى يُقبل كموظف في المؤسسات الحكومية ؟!
يجب أن نعلم جميعًا أن مستقبل هذه البلدة هو في أيدي الشابات والشبان فهم القادة وهم أصحاب الشأن .
لماذا لا نوفر لهؤلاء كل ما يحتاجونه لتمكينهم من المشاركة الفعَّالة لتحقيق التقدم الاجتماعي ، الاقتصادي والثقافي للفرد والمجتمع ! .. علينا إعطاؤهم مراكز القوة ويجب ملائمة هذه البلدة لمتطلباتهم ...
لنتذكَّر جميعًا بأن العلم يصقل شخصية الإنسان ليرى العالم واحدًا لنا جميعًا...العلم يجعلنا نحترم ونحب الإنسان لكونه إنسانا ويبعدنا عن الأفكار العنصرية والأفكار الاجتماعية السلبية كالكراهية والأنانية ...
لا لن نخاف الشابات والشبان إنهم أبناؤنا وبناتنا ... قلبنا عليهم وقلبهم علينا .