يتوقف مستقبل المجتمعات إلي حد كبير على إعداد أطفالها الذين يحملون عبء ومسؤولية هذه المجتمعات والنهوض بها.
بمختبرات د. دبور ببيت جن بادرنا بمشروع "نافذة على البحث العلمي" من أجل اعطاء الفرصة لطلاب المدارس من قرانا لإجراء ابحاث علمية مدروسة ومن خلالها يتعلم الطالب على مراحل البحث العلمي الحديث. بعد تجربة ثلاث سنوات ومرافقة مئات الطلاب بهذا المشروع ومن منطلق اهتمامي الشديد لبناء مستقبل واعد من أجل أطفالنا رأيت أنه من واجبي مشاركتكم بعض من الأفكار والمفاهيم الناتجة عن هذه التجربة.
تختلف مسؤوليات الإعداد من مجتمع إلى أخر ومن فترة زمنية إلي أخرى، والمسؤولية الملقاة على الجيل الحالي لإعداد جيل المستقبل، ربما تكون من أخطر وأهم المسؤوليات وأدقها وأصعبها، وذلك لما يتميز به العصر الحالي من سرعة التغيير.
ان الاهتمام بالمستقبل والعمل من أجل الغد، ليس وليد العصر، فالإنسان منذ بداية عهوده الأولى كان يهتم بالمستقبل، ويرتب ويعد من أجله، ولكن اليوم نظرا لما يتسم به العصر من سرعة التغيير، أصبح الاهتمام بالمستقبل ضرورة حتمية.
ما يحمله هذا العصر ـ في أحشائه ـ للمستقبل هو أكثر تعقيداً، وحيث إننا نعد أطفالنا لزمان غير زماننا، تصبح مسؤوليتنا أكثر تعقيدا، وعلينا أن نتفهم هذا المستقبل ونرسم في ضوء هذا الفهم استراتيجيتنا لتربية الطفل، ودون هذا التخطيط لا يمكن أن ننجح في تربية أطفال يمكنهم التعامل مع المتغيرات المستقبلية والتقنيات الجديدة والوقوف أمام ما تمثله من تحديات.
مصطلح التحديات يطلق على المتغيرات الناتجة عن التطور العلمي والتكنولوجي، الذي شاع استخدامه في الخطاب السياسي والثقافي، إنما يدل على عدم القدرة على التعامل مع متغيرات العلم، وعدم قدرتها على المنافسة في السوق الاقتصادية الجديدة في الوقت الذي أصبحت فيه هذه المتغيرات قوى لتقدم الفئات المتقدمة، أصبحت معوقا لنمو المجتمعات النامية، الذين لا يستطيعون ملاحقة التطور واستيعاب الجديد من العلم والتكنولوجيا ولهذا علينا أن نعمل على أن نحول هذه التحديات إلي مرتكزات للوثوب لأعلى نحو التقدم والتطور وهذا لا يتحقق إلا بإعداد الأطفال الإعداد الذي يمكنهم من تخطي هذه التحديات وتحويلها جسور نحو التقدم .
من خلال عملي مع الطلاب لاحظت إن وسائل الإعلام فعالة جداً، ولها تأثيرها في الأطفال، حتى وأن لم يكن لهم معرفة سابقة بالقضايا التي تثيرها هذه الوسائل وهذا يعني القدرة الفائقة لوسائل الإعلام على صياغة العقول البشرية، وبخاصة أن هذه الوسائل مسموعة أو مقروءة أو مرئية، لها قدرتها على جذب انتباه الطفل وإثارة اهتمامه بما تعرضه. وإن ما يقدم عن طريق أجهزة الإعلام الغربية لا يتلاءم مع عقائدنا وقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا، مما سوف يحدث شرخا في بناء المجتمع قد يؤدي إلي انهياره.
أول ما يتبادر إلي الذهن هو: ما التحدي الذي يمثله التطور العلمي والتكنولوجي لمجتمع كمجتمعنا؟ أن التطور لا مشكلة فيه، ولكن المشكلة والتحدي الحقيقي في أن من يمتلكه؛ يمتلك القوة والقدرة والسيطرة على الآخرين، ومن لا يمتلك عليه أن يرضى بالتبعية، فإن الثورة العلمية والتقنية هي ثورة مستمرة تزداد تعمقا وتجذرا وتأثيرا في مجمل الحياة، كما أن كمية المعرفة الإنسانية تتضاعف يوميا بواسطة هذه الثورة العلمية المتنامية، ومن ناحية أخرى فإن عدد الاختراعات والاكتشافات يزداد يوميا، بل إن عدد المعلومات العلمية والتكنولوجية يتضاعف كل عشر سنوات. فإن هذا السباق العلمي والتكنولوجي إن لم نستطع المشاركة فيه لن يكون لنا مكانة فعالة ومرموقة في المستقبل فالمكانة المرموقة في دنيانا إنما هي للفئات القادرة بعقلها لا بعددها، النافذة بمنجزاتها لا بادعاءاتها، المتشوقة لإنشاء والإبداع، المستعدة لدفع ثمنها بالسعي الشاق لمعرفة الحقيقة والبناء على أساسها.
السؤال الذي يطرح نفسه وعلينا الاجابة الصادقة عليه هو: هل أعددنا أطفالنا للمشاركة الإيجابية في هذه الثورة العلمية والتكنولوجية مستقبلا؟ أم سوف نتركهم عاجزين، مقلدين وغافلين لما تنتجه هذه الثورة، فيصبحوا أقزاما في عالم العمالقة.
*. د. زياد دبور محاضر في الكلية الكاديمية وبكلية الطب – صفد www.drdabour.com