خصصت مجلة الشرق الفصليّة الأدبيّة التي تصدر في شفاعمرو لصاحبها الدكتور محمود عبّاسي، ويرأس تحريرها الشاعر جورج فرح، عدديها الأخيرين لتكريم الشاعر رشدي الماضي، وذلك بمناسبة بلوغة سن السبعين "وتوثيقًا لسيرته ومسيرته وإبداعاته الأدبيّة المميّزة".
شارك في هذين العددين بالإضافة إلى كلمة أسرة التحرير، كل من الشعراء والأدباء، جورج فرح، حاتم جوعية، إبراهيم أبو عطا، إيمان محاميد، د.محمد خليل، د.بطرس دلة، د.نبيه القاسم، د. منير توما، الشاعر فهيم أبو ركن والإعلامي نايف خوري.
ركزت المجلة في كلمتها الافتتاحية على مواكبة الشاعر الماضي لها منذ انطلاقها، حيث نشر"أول غيثه" في هذه المجلة عام 1970، قصيدته "عيون بلا بريق" التي أثارت انفعالا عند أحد الصحافيين، فوصفه بشاعر الغضب وإلا كيف يمكن تفسير رموز القصيدة مثل: ألسنة الطريق تدلت/ الساعات تجدل من لحمها مشنقة.../ آه أيها الليل العاري/ في غابة الأوحال/ صدري بيادر/ نزحف في أرضها السّياط.. تكسرت حدود الخرائط/ رحم العالم تملؤه الأوحال في الفضلات/ تحت قناديل مطفأة/ يفتش في الفضلات/عما تركته اسراب الجراد." ثم اعربت عن اعتزازها بالشاعر الذي أخذ موقعه على خارطة الشعر العربي.
أما الشاعر جورج فرح فقد عبّر في مقالته عن سعادته الغامرة بأن يكون أول عدد بعد تسلّمه مهمّة تحرير مجلة الشرق للاحتفاء بالشاعر رشدي الماضي الذي تربطه به صداقة وطيدة تعود إلى أواخر خمسينيات القرن الماضي وأشار: "كنا كلانا نسكن في حيّ وادي النسناس في حيفا. وقد واكبتُ بدايات قرضه للشعر إبّان الستينيات، فكان يُطلعُني على ما تجود به قريحته، كما كنتُ أفعل ُ بدوري" ويضيف: "عام1967 بادر لفيف من الكتّاب والشعراء الناشئين آنذاك، إلى إصدار كُتيّب بعنوان "مشاعل على الطريق"، ومن ضمنهم كان الشاعر رشدي الماضي وكاتب هذه السطور، إلى جانب بعض الشعراء والأدباء الذين أصبحوا لاحقًا في طليعة شعرائنا وأدبائنا المحليين."
ثم تفرد المجلة مساحة قيّمة لثلاث مقابلات صحفيّة أجريت مع الشاعر المحتفى به، الأولى أجراها معه الشاعر حاتم جوعية وتمحورت حول العديد من الأمور التي تشغله في سعيه المستمر لتطوير أدواته الشعرية، مؤكّدًا على أن عنصر الحريّة هو البوابّة الرئيسيّة التي تمدّ الشاعر بكل المدارات المنفتحة والمشرّعة ليتمكّن من الكتابة بعيدًا عن عين كل رقيب.
وفي المقابلة الثانية التي أجراها مع شاعرنا الأستاذ إبراهيم أبو عطا، تحدّث من خلالها بشاعرية مرهفة عن البحر مذكّرًا بقصيدة "المحيط" التي كتبها "بايرون" وبقصيدة "المساء التي كتبها خليل مطران، حينما كان في الإسكندرية ووقف أمام البحر الذي يوحي بالانطلاق والحرية. كما تحدّث الشاعر في المقابلة الثالثة التي أجرته معه الناشطة الثقافيّة، إيمان محاميد، عن أن الإنسان هو أغلى ما يملكه المجتمع، وعمليّة تربيته هي الضمان للحفاظ على جذوره الثقافيّة والحضاريّة.
بعد ذلك نقرأ مقالة نقديّة للدكتور، محمد خليل، يتناول فيها ديوان الشاعر رشدي الماضي، " مفاتيح ومنازل الكلمات"، الذي صدر عن مكتبة كل شيء سنة 2005 والذي توحي مفردات عنوانه "إلى دلالات، من بينها: الكلمات التي تستأثر بانتباه خاص منا. و "منازل" الكلمات، مراتبها ودرجاتها وإن كانت تتسم بالغموض تارة، وبالإيحاء اخرى. و "مفاتيح" الكلمات التي تستخدم أو تساعد في فتح مغاليق النص، لما فيها من بلاغة وفصاحة ومحاسن العبارات. وفي الوقت نفسه، قد تكون فيها إشارة رامزة إلى: مفاتيح المنازل، المفاتيح التي ما زالت محفوظة بأيدي أصحاب المنازل المهجورة التي تنتظر عودتهم إليها، أو إلى تلك السواعد القويّة التي يراها الشاعر آتية لفتح منازل الوطن".
تلتها مقالة للدكتور بطرس دله، جاءت تحت عنوان: "قراءة في ديوان عتبات لعودة زمن الخروج" للشاعر رشدي الماضي، حيث قام باستعراض وتحليل هذا الديوان الشعري الذي لمس فيه تلميحات كثيرة لمصطلحات أدبيّة عالميّة ولأسماء لامعة في الإبداع، في أدب الغرب والشرق على حد سواء. وهو إلى جانب ذلك متبحّر في قواعد اللغة العربيّة وبحور الشعر على مختلف تفعيلاتها، ومع ذلك فهو لا يكتب الشعر العمودي بل يكتب على طريقة الشعر المحدث بحيث ينطلق منه إلى ما هو جديد ومغاير، شأنه في ذلك شأن معظم شعراء العربية اليوم.
أما الدكتور نبيه القاسم فأكّد في معالجته لديوان شاعرنا الماضي " مفاتيح ومنازل الكلمات" بأن الشعر على عكس ما يتصوره البعض، أن يكون الواجهة الأبرز للحركة الأدبيّة العربيّة المحليّة، كما كانت عليه الحال طوال السنوات السابقة. والبارز في هذا النشاط كثرة الأسماء الشّابة التي يراها ظاهرة مباركة تستحق الاهتمام والرعاية رغم كل التحفظات. ويرى بأن تجربة رشدي الماضي الشعرية عبرت المراحل المختلفة وتبلورت في السنوات الأخيرة بمنحاها المتفائل والمتفجّر، ولكن أيضًا بعمقها وسعيها لتأسيس الحاضر عل الماضي والدفع للمستقبل استنادًا إلى محصلة هذا التلاقي بين الزمنين. وقد لمسنا هذا التحول منذ مدخل مجموعته الشعرية "تهاليل للزمن الآتي".
وفي سياق آخر نتوقف مع الدكتور منير توما في مقالة يتناول فيها اشكاليّة الخلود في قصيدة "فاطمة وزليخة وعشبة الحفيد" التي نشرها الماضي في صحيفة "الإتحاد" في 5 أيلول 2008 والتي "استخدم فيها الشاعر ووظف الميثولوجيا والأسطورة لبيان الفكرة التي يرمي إليها في هذه القصيدة، وإن كان فهمها يستعصي على الكثيرين لرمزيتها وكلماتها المشفرة بالأسماء الميثولوجية التي تتطلب خلفية ثقافية خاصة بمعرفة الرموز وراء هذه الكلمات ويضيف: بأن القصيدة تتمحور في ظاهرها على ملحمة الرافدين الخالدة " جلجامش"، حيث يستقي منها شاعرنا موضوع قصيدته حول الخلود الانساني ومراحل تطوره وتجدده.
وتحت عنوان " رشدي الماضي صوت شعري حداثي" كتب الشاعر فهيم أبو ركن عن ابداع هذا الشاعر وعن النشاط الثقافي الهام الذي قام به من خلال مشواره الطويل على دروب الشعر والأدب.
كما تضمنت المجلة كلمة الإعلامي نايف خوري حول علاقته بالشاعر رشدي الماضي، حيث رافقه في لقاءات عديدة عبر مشواره الشعري والنثري، ونشرت كذلك صفحات مشرقة لعدد من النقاد والأدباء الذين كتبوا عن شاعرنا الذي احتفت به وبإبداعه مجلة الشرق الغراء، فقرأنا كلمات ومقالات كشفت لنا الكثير من عالم هذا الشاعر.